كلما تتجدد حكاية غزة تبدأ القصص و الروايات القديمة بخلق نفسها من جديد !ففي كل عامين او ثلاثة تتجدد حكاية غزة، نفس البداية والنهاية ..
و تغتال كل سبل الحياة هناك ويشاهد العالم صور الويلات والاطفال والنساء والشباب والشيبان مابين شهيد وجريح حتى تصبح كرة نار ملتهبة متدحرجة تحترق كلَّ سبل الحياة بها ...
و برغم ان قطاع غزة قد عظم بلاؤه ، الا انها قصة عزة وبطولة .
عادت امي من غزة وفي جعبتها الكثير والكثير من قصص الحرب المؤلمة ..
كان حتماً عليّ ان اكتب قصة من القصص التي روتها امي والتي كانت تحمل معها نبضة انسانية ..قصة من معبر رفح .
و لمن لا يعلم ماهو معبر رفح ..هو المنفذ البري الوحيد الذي يربط قطاع غزة بالعالم الخارجي لممارسة كلَّ سبل الحياة فلا يمكن أن تستمر دون هذا المعبر الذي أصبح لوحده قضية .
فالبحر من غربهم ، والعدو من شمالهم وشرقهم ، ولم يتبقَ سوى جنوبهم وهو معبر رفح .
غادرت امي قطاع غزة مع عشرات الأسر هربا من جحيم الحرب ودمارها في القطاع الذي يعد البقعة الأكثر كثافة سكانية في العالم متوجهه للقاهرة في باص الترحيل مع عشرات الفلسطينين في رحلة استغرقت احدى عشر ساعة ..
الترحيل وغرفة الترحيل وباص الترحيل مصطلحات لا يفهمها الا سكان قطاع غزة المسافرين من والى القطاع عبر مطار القاهرة ..
فالمواطن الفلسطيني يتم ترحيله اذا كان متوجها من قطاع غزة الى اي بلد بالعالم عبر مطار القاهرة
و يتم نقله في باصات خاصة بأمن المطار مصحوبة بدورية امنيه لضمان عدم التسلل للاراضي المصرية .
ويتم احتجازه في غرفة الترحيل التي تفتقر لأي تجهيزات تحترم الادمية للاشخاص المحتجزين .. وقد تصل مدة الانتظار فيها ساعات وساعات او لعدة ايام ...
ولأن حقوق المواطن الفلسطيني مختلفة عن حقوق المواطنين في بقية انحاء العالم ،والجنسية الفلسطينية تسبب المتاعب في حرية التنقل مقارنة بغيرها من الجنسيات تفاقمت معاناتهم بسبب التعقيدات التي كانت مفروضة على خروجهم من القطاع .
اجبرهم البقاء في رحلة لمدة 11 ساعه في باص الترحيل لسرد قصص معناتهم كنوع من التخفيف عن بعضهم البعض.. ليس هناك أسرار علي المعبر فكل ما يدور داخله وخارجه يتداوله الجميع ..و بدأت عشرات القصص والروايات الذليلة المذلة تنسج في باص الترحيل و كما قالت امي : " هم بضحك وهم ببكي "
و لم يمنع نفسه من مقاومة مشاعر الابوه ، وباغتته دموعه وهو ينظر الى ابنه الذي كان يجلس امام بيته ، ونظراته كلها لوعه فالاميال القصيرة لا تكاد تذكر بين الرجل في باص الترحيل وبين ابنه ..
وبما ان الرجل في باص الترحيل فهو ممنوع ان يتوقف السائق لأي سبب كان ..
بكى الرجل واغمض عينيه .. فهو يعلم ان لا لصرخاته ولا دموعه ستجدي نفعا ..
و لم يرسل اشواقه الا من خلال عينيه الدامعتين !
فهل العين تنقل الشوق اكثر.. والنظر من بعيد يطفئ لوعة الغياب ؟؟
و استمر بالنظر الى ابنه حتى انفطر قلبه من البكاء وهو يقول " ابني حبيبي يا ابني "
وانفطر قلب امي ومن معها على دموع الرجل ..
اي قانون هذا الذي يمنع اب من رؤية ابنه واحتضانه وتقبيله .. تحت مبررات واهية لا قيمة لها ..وكم من القصص يرويها اصحابها وتنسج معها خيبة امل تحول بينهم وبين قبلة على الجبين ..
من يقرا ويسمع احداث القصص قد يجدها تفوق حدود الادراك او يشكك ربما في مصداقيتها ، او قد تكون خالية من المنطق ، او مستمده من الافلام .. لكنها للاسف احداث من واقع الشعب الفلسطيني ..
و كما ذكرت سابقا ان حقوق المواطن الفلسطيني مختلفة عن حقوق المواطنين في بقية انحاء العالم ..
فالفلسطينيين يتحملون أوضاع لا يمكن للكثير من البشر تحملها ..
كونوا مع غزّة..
حرر في 11/8/2014